دراسة| العملية الدستورية من وجهة نظر السوريين

نطاق الدراسة:

النطاق الزمني: أجريت الدراسة خلال شهر كانون الثاني من عام 2021.

النطاق الجغرافي: غطت الدراسة مناطق سيطرة النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرة المعارضة السورية داخل سوريا، أما خارج سوريا فقد غطت كل من دول الجوار السوري (تركيا – لبنان – الأردن – العراق)، كما غطت أيضاً كل من ألمانيا وهولندا وفرنسا والسويد ضمن الاتحاد الأوروبي.

يوضح الجدول التالي المحافظات التي شملتها الدراسة داخل سوريا في مختلف مناطق السيطرة:

الملخص التنفيذي

سعى المجتمع الدولي منذ السنوات الأولى من عمر النزاع في سوريا لإيجاد مخرج سياسي ينهي حالة العنف الدائرة في البلاد، ففي العام 2012 عقدت مجموعة العمل من أجل سوريا مباحثاتها في مدينة جنيف السويسرية برئاسة المبعوث الأممي إلى سوريا آنذاك كوفي عنان، وقد أعلن عنان عقب انتهاء المباحثات أن الاجتماع أقر بياناً مفصلاً عرف ببيان جنيف 1 والذي أكد على ضرورة الضغط على جميع الأطراف لتطبيق خطة البنود الستة (خطة عنان)[1]، كما أدان البيان تواصل وتصاعد العمليات القتالية والتدمير وانتهاكات حقوق الإنسان، وأوصى بالتزام جميع الأطراف بوقف العنف المسلح وتكثيف وتيرة الإفراج عن المحتجزين تعسفياً ودعا إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية وإعادة النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية في سوريا.

لاحقاً وفي 18 من شهر كانون الأول  عام 2015، أقر مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2254 والذي رسم ملامح الحل السياسي في سوريا، حيث أكد القرار على أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد، وطالب بوقف الهجمات على المدنيين، ونص على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة كل من ممثلي النظام وهيئة التفاوض السورية للمشاركة في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي، كما أعرب القرار عن دعمه لبدء عملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً لصياغة دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة عملا بالدستور الجديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة في بيئة آمنة ومحايدة، تشمل جميع السوريين بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر.

وفي الواقع يمكن القول أن أياً من البنود الواردة ضمن البيانات والقرارات المتعلقة بمسار الحل السياسي في سوريا لم يتم تطبيقها من الناحية العملية وذلك بسبب مماطلة النظام وعدم رغبته الدخول في ذلك المسار بشكل جدي وهو ما أدى لإطالة أمد العملية السياسية، التي مرت بعدة جولات محادثات تم إقرار خارطة الطريق للحل السياسي في سوريا عام ٢٠١٧ بناء على القرارين الأمميين ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ و٢١١٨ لعام ٢٠١٣ المتضمن لبيان جنيف. ونصت هذه الخارطة على العمل بالتوازي أو التوالي على المحاور الأربع التالية: الحكم، الدستور، الانتخابات، البيئة الآمنة والمحايدة. وفي هذا السياق، أكد مؤتمر سوتشي تأييده لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ وطالب الأمم المتحدة بتشكيل اللجنة الدستورية كمساهمة في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، وفي تطبيق قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤(٢٠١٥)، وبناء على ذلك، قامت الأمم المتحدة بإجراء مفاوضات غير مباشرة بين حكومة النظام وهيئة التفاوض السورية لتشكيل اللجنة، والاتفاق على معاييرها المرجعية والعناصر الأساسية للائحتها الداخلية.

وبالفعل فقد باشرت اللجنة الدستورية أعمالها في الثلاثين من شهر تشرين الأول من عام 2019، وقد أكد المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون خلال الكلمة الافتتاحية على أن بدء عمل اللجنة الدستورية يمثل خطوة هامة على طريق إيجاد حل سياسي مستدام للأزمة في سوريا وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، وقد عقدت اللجنة الدستورية حتى تاريخ إعداد التقرير الحالي خمس دورات لاجتماعاتها كان آخرها في شهر كانون الثاني من عام 2021.

ونظراً لأهمية طبيعة عمل اللجنة الدستورية وارتباطه بمستقبل البلاد وماله من تأثير على حياة السوريين أجرت مؤسسة اليوم التالي بالتعاون مع شركة إنديكيتورز وبالتنسيق والتشاور مع أعضاء من اللجنة الدستورية عن وفدي هيئة التفاوض والمجتمع المدني الدراسة الحالية والتي تهدف لاستطلاع آراء السوريين حول اللجنة الدستورية وطريقة تشكيلها ونتائج أعمالها واجتماعاتها ومدى ثقتهم بقدرتها على تحقيق تقدم حقيقي في إطار مسار الحل السياسي، ونظرتهم للوفود المشاركة في صياغة الدستور، وما إذا كانوا يرون أنفسهم ممثلين ضمن اللجنة، كما تهدف الدراسة أيضاً لتحديد اهتمامات السوريين والسوريات والقضايا التي تشكل أولوية بالنسبة لهم ضمن مسار الحل السياسي، ومعرفة وجهات نظرهم حول القضايا الدستورية المتعلقة بهوية الدولة وشكل النظام الإداري وصلاحيات سلطات الدولة والنصوص الدستورية التي تنظم حقوق المرأة ودورها وطبيعة مشاركتها ضمن المجتمع.

أجريت الدراسة خلال شهر كانون الثاني من عام 2021، وغطت مختلف مناطق السيطرة داخل سوريا (مناطق سيطرة النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية والمعارضة السورية)، إلى جانب تغطيتها لدول الجوار السوري (تركيا – الأردن – لبنان – العراق) وكل من السويد وألمانيا وفرنسا وهولندا ضمن الاتحاد الأوروبي، وقد تم خلالها إجراء 2040 مقابلة مباشرة مع السوريين والسوريات على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والمذهبية، واعتمدت الدراسة العينة العشوائية الطبقية البسيطة لضمان تغطية الفئات المستهدفة مع مراعاة شمولها جميع السوريين.

هذا وقد خلصت الدراسة لجملة من النتائج كان من أبرزها اعتبار الغالبية العظمى من المشاركين في الدراسة على تنوع انتماءاتهم لقضايا (الكشف عن مصير المعتقلين / المعتقلات ووقف العمليات العسكرية وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاع والعمل على إخراج المقاتلين الأجانب ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وتهيئة المناخ الأمن لعودة النازحين واللاجئين السوريين ووقف الملاحقات الأمنية) من القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهم ضمن مسار الحل السياسي، ويليها من حيث الأهمية قضايا البدء بأعمال إعادة الإعمار والعمل على تشكيل هيئة حكم انتقالية تتولى إدارة المرحلة الانتقالية وتأمين بيئة محايدة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، في حين جاء العمل على صياغة دستور جديد للبلاد في نهاية قائمة القضايا ذات الأولوية من وجهة نظر المشاركين في الدراسة.

كما أظهرت الدراسة وجود انخفاضاً في درجة اطلاع السوريين على أعمال اللجنة الدستورية إذ أن ربع المشاركين في الدراسة فقط قالوا بأن لديهم اطلاع كبير أو اطلاع جيد على أعمال اللجنة الدستورية، في حين قال أقل من النصف بأن لديهم بعض الاطلاع على أعمال اللجنة وما يزيد عن الثلث قالوا بعدم وجود أي اطلاع لديهم، وبالعموم فإن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر المصدر الرئيسي لحصول غالبية السوريين على معلوماتهم المتعلقة باللجنة الدستورية ونتائج اجتماعاتها، مع انخفاض نسبة من يحصلون على معلوماتهم من المصادر الرسمية كالبيانات الصادرة عن اللجنة الدستورية ذاتها أو الأمم المتحدة.

من جانب أخر فقد أظهرت الدراسة أيضاً وجود انخفاضاً في درجة الرضى لدى المشاركين بنتائج أعمال اللجنة الدستورية إذ يرى غالبيتهم بأن التقدم الذي حققته غير كافٍ أو أنها لم تحقق أي تقدم، وأما بالنسبة للوفود المشاركة فنلاحظ وجود انخفاضاً بدرجة ثقة المشاركين بوفد النظام السوري، كما تنخفض أيضاً نسبة المشاركين الذين يرون بأن وفد النظام السوري يمثلهم ويعكس رغباتهم وتطلعاتهم، هذا وترتفع نوعاً ما درجة الثقة بوفد المعارضة السورية ونسبة من يرون بأنه يمثلهم ويعكس رغباتهم وتطلعاتهم، أما وفد المجتمع المدني فقد نال أكبر نسبة من الثقة لدى المجيبين كما ارتفعت نسبة من يرون بأنه يمثلهم ويعكس رغباتهم وتطلعاتهم.

وأما عن القضايا الدستورية وفيما يتعلق بالهوية العربية فإننا نلاحظ وجود نسبة مرتفعة من المشاركين يوافقون على ضرورة التأكيد على الهوية العربية لسوريا وتسميتها بالجمهورية العربية السورية مع العلم أن الغالبية العظمى من الأكراد عبروا عن رفضهم لذلك، ويلاحظ أيضاً ارتفاع درجة التقبل لاعتماد لغات رسمية إلى جانب اللغة العربية سواء على مستوى الدولة ككل أو على المستويات المحلية.

 أما عن الدين الإسلامي وعلاقته بالدولة فترتفع نسبة من يؤيدون اعتماد الفقه الإسلامي كمصدر رئيسي من مصادر التشريع أو اعتباره مصدراً من مصادر التشريع في حين تنخفض نسبة الموافقة على اعتباره المصدر الوحيد أو عدم اعتباره كمصدر من مصادر التشريع.

وعن شكل النظام الإداري في الدولة والعلاقة ما بين السلطات فقد أظهرت نتائج الدراسة أن غالبية المشاركين يميلون لتأييد اعتماد نظام إداري لا مركزي يقوم على منح صلاحيات واسعة للسلطات المحلية ضمن الأقاليم، في حين تنخفض نسبة من يؤيدون اعتماد نظام إداري مركزي يقوم على تركيز الصلاحيات بيد الإدارة المركزية في عاصمة الدولة، أما فيما يتعلق بسلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية فقد شدد الغالبية العظمى من المشاركين على ضرورة اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات واتخاذ إجراءات تكفل عدم قدرة إحدى السلطات على التدخل والتأثير في أعمال غيرها من السلطات.

أخيراً وفيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالمرأة فقد أظهرت الدراسة وجود ارتفاع في نسبة من يؤيدون العمل على تخصيص حد أدنى من المقاعد للمرأة ضمن الهيئات المنتخبة وإمكانية توليها لمنصب رئاسة الجمهورية ومشاركتها في أعمال البرلمان وإعطائها الحق في منح الجنسية السورية لزوجها وأبنائها.


[1] تشمل خطة البنود الست أو ما يعرف بخطة عنان البنود التالية:

أولاً- الالتزام بالعمل مع عنان من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون.

ثانياً- الالتزام بوقف جميع أعمال العنف المسلح بما في ذلك استخدام الأسلحة الثقيلة وسحب القوات العسكرية ووقف تحركات قوات الجيش باتجاه المناطق المأهولة بالسكان.

ثالثاً- تطبيق هدنة يومية لمدة ساعتين للسماح بإيصال المساعدات لجميع المناطق المتضررة من النزاع

رابعاً- الإفراج عن جميع من جرى اعتقالهم تعسفياً بمن في ذلك المعتقلون بسبب قيامهم بنشاطات سياسية سلمية.

خامساً- الاتفاق على ضمان حرية الحركة للصحافيين في جميع أنحاء البلاد وتبني سياسة لا تقوم على التمييز بشأن منحهم تأشيرات لدخول سوريا.

سادساً- الاتفاق على حرية تكوين المؤسسات وحق التظاهر السلمي على أنها حقوق مصونة قانونياً.

المصدر: Indicators

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى