تجربة أسبانيا الدستورية

نتيجة الصراع الطبقي والديني، والتنافس بين القوميات، والصراع بين الديكتاتورية العسكرية والديمقراطية الجمهورية

نشبت في أسبانيا عام 1936 حرب أهلية قاسية ومُدمِّرة

اعتُبرت مثالاً دموياً على وحشية اللجوء إلى العنف لقهر الإرادات وتسوية النزاعات

قام الجنرال فرانشيسكو فرانكو خلال هذه الحرب بدعم التيار القومي ونصّب نفسه زعيماً على أسبانيا

وفي عام 1939 حاصر آخر معاقل الجمهوريين الذين أعلنوا استسلامهم

ومنذ ذلك الحين حكم الديكتاتور فرانكو أسبانيا بقبضة من حديد

وقمع كل الحركات الديمقراطية والمعارضة لحكمه

وانتقم من كل معارضيه، فسجن الآلاف من الجمهوريين وأعدم عشرات آلاف المواطنين

وفر مئات الآلاف من غير المؤيدين له إلى الخارج

في عام 1947 تأسست الملكية، وقام فرانكو بإعلان خوان كارلوس ملكاً مؤجّلاً لأسبانيا

أظهر خوان كارلوس تأييده لفرانكو ظاهرياً، لكنّه تواصل سراً مع الحركات الديمقراطية والليبرالية

وفي عام 1975 توفّي فرانكو فاعتلى خوان كالوس العرش

وأعلن أن أسبانيا يجب أن تكون دولة ديمقراطية وطالب بإصلاحات سياسية

في عام 1977 تم انتخاب أعضاء البرلمان لغرض صياغة وإقرار دستور جديد وإجراء استفتاء عليه

اختارت الجمعية التأسيسية لجنة من سبعة من أعضائها مثلوا كل الجهات السياسية في البلاد

بعد خمسة أشهر من العمل، أنهت اللجنة صياغة المسودة الأولى للدستور تلتها فترة للتعديلات

وفي عام 1978 أُنجز البرلمان الإسباني مشروع الدستور

حصل مشروع الدستور على موافقة 91,81% من الإسبان في استفتاء وطني

صادق الملك خوان كارلوس عليه

فأنهى 36 سنة من ديكتاتورية شبه مطلقة وفتح الأبواب للتجديد وللديمقراطية

أُنجز الدستور الإسباني عبر الحوار والتوافق وحسن النيّة بين الإسبانيين

ونتيجة تعاون كافة الأطراف والقوى السياسية على اختلافها

المؤيدون والمعارضون على حد سواء

ولم يتم فرض شروط مسبقة، ولا إقصاء، ولا تهميش

وجاء ثمرة نقاشات بروح إيجابية لترسيخ السلام وبناء الوطن

وليس بنيّة التعطيل والإفشال والتأجيل والمماطلة

وكان لهذا الدستور الفضل في أن تصبح أسبانيا دولة قانون

حدد الدستور النظام السياسي لإسبانيا كدولة “ملكية برلمانية”

تقوم على أسس القانون والديمقراطية

تُدافع عن الحرية، والعدل، والمساواة، والتعددية السّياسية كقيم سامية

أمة واحدة غير قابلة للتجزئة تتألف من 17 منطقة حكم ذاتي ومدينتين ذاتيتي الحكم

وتبنّى نظاماً لامركزياً يتيح للمقاطعات انتخاب برلمانات وحكومات جهوية وإدارات محلية

وحفظ الحريات العامة بشكل غير قابل للمساومة، كحق التظاهر وتأسيس المنظمات المدنية والسياسية، وحرية التعبير والصحافة

وجعل الإسبان سواسية أمام القانون، دون تمييز بسبب الأصل، أو العرق، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي

ورسّخ مبدأ فصل السلطات الثلاث مع الحفاظ على التوازن والتعاون بينها

ومأسس الأحزاب السياسية والجمعيات

وأقرّ أن البرلمان هو مصدر كل سلطات الدولة

وجعل الملك تحت الدستور وسمح للبرلمان أن يتدخل في كل اختصاصاته ويجعل منه سلطة شكلية

ووضع القوات المسلحة تحت السيطرة الكاملة للمؤسسات المدنية

وشدد على أن إدارة الخلافات الكبرى تتم عبر العودة إلى الشعب

فأتاح للشعب أن يقرر مصيره ويحدد مستقبله بنفسه عبر نظام الاستفتاء

وليس من خلال الإدعاء بتمثيل الشعب المطلق والوصاية الدائمة عليه

فأمّن الدستور الإسباني الإطار القانوني ليعيش الإسبان في أمان وانسجام

في 6 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام يحتفل الإسبانيون بـ “يوم الدستور”

إحياءً لذكرى إقرار دستور 1978 والخلاص من الديكتاتورية

ذلك الدستور الذي توافق فيه الإسبانيون على أن تكون إسبانيا دولة ديمقراطية تصون الكرامة وتضمن الحقوق

يمكن مشاهدة الفيديو على الرابط التالي:

يمكنكم الاطلاع على، أو تحميل النص العربي لدستور إسبانيا مع تعديلاته أدناه.

(*) Constituteproject

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى