اليوم الرابع من الدورة الثامنة يبحث مبدأ “العدالة الانتقالية”

بدأت الهيئة المصغّرة للجنة الدستورية، صباح الخميس ۲ حزيران ۲۰۲۲، أعمال اليوم الرابع من الدورة الثامنة لاجتماعات اللجنة الدستورية، وخلال جلستي اليوم ستناقش وفود الأطراف الثلاثة مبدأ “العدالة الانتقالية” الذي يُقدّمه سبعة أعضاء من وفد المجتمع المدني.

وينص المبدأ على ضرورة أن تلتزم الدولة بتبنّي نهج شامل للعدالة الانتقالية، ينطلق من مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وأن الجرائم لا تسقط بمرور الزمن أو بصدور عفو سابق، ويكون فيه للضحايا وعائلاتهم مكانة مركزية وعلى وجه الخصوص النساء والأطفال، على أن يتضمن هذا النهج مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية، بما فيها معرفة مصير المفقودين والمغيّبين قسراً، والمحاسبة والمساءلة، وبرامج جبر الضرر، والإصلاح المؤسسي، ومبادرات نزع السلاح، والتسريح وإعادة الإدماج وغيرها.

وحول اجتماعات اليوم، قال طارق الكردي، عضو الهيئة المصغّرة للجنة الدستورية “المفترض أن لا يكون هذا البند إشكالي، ومن المفترض أن يكون جميع السوريين مع العدالة والحق، العدالة لكل الضحايا ولكل من ارتُكِبت انتهاكات في حقّهم، وسنرى خلال جلسات اليوم إن كان هناك من يرفض العدالة ويعاديها أم لا، ونتمنى أن لا يكون هناك من يعمل ضد العدالة، فلا سلام مستدام في سورية دون عدالة انتقالية، وهي ركن أساسي ورئيس، ولا يمكن الوصول إلى السلام السياسي والمجتمعي والمحافظة عليه دون عدالة لكل السوريين الذين مورست بحقهم انتهاكات ضخمة”.

وأشارت إحدى مداخلات ممثلي هيئة التفاوض أن العدالة الانتقالية “تُعنى، أوّلًا، بالضّحايا، قبلَ أي اعتبارٍ آخر. وهي تصبُّ جلّ تركيزها على حقوقهم وكرامتهم بصفتهم مواطنين وأشخاصٍ على حدّ سواء، وهي تسعى إلى المُحاسبة على الأضرار الّتي تكبّدها هؤلاء وإلى انتزاع الإقرار بها وتحقيق الإنصاف في شأنها. فالعدالة الانتقاليّة تضعُ الضّحايا في صلبِ عملها وتُولِي كرامتهم الأولويّة القُصوى، وهي بذلك، إنّما تدلّ على الطّريق المؤديّة إلى إبرامِ عقدٍ اجتماعيّ جديدٍ يشملُ المواطنينَ جميعهم ويحفظُ حقوقَ كُلٍّ منهم.

تضمُّ العدالة الانتقاليّة الأفراد الّذين يجتمعونَ من أجلِ معالجة إرث الفظائع الشّنيعة، أو إنهاءِ الحلقات المُتجدّدة من النّزاع العنيف، وذلكَ من خلالِ وضعِ مجموعةٍ من الاستجابات المُختلفة. وهي استجاباتٌ قد تشملُ إدخال الإصلاحات إلى الأنظمة القانونية والسياسية والمؤسسات الّتي تحكمُ المجتمع، بالإضافة إلى الآليات الرّامية إلى كشف الحقيقة حولَ ما جرى وأسبابه وإلى تحديد مصير المُعتقلينَ أو المخفيين قسرًا. وقد تشملُ هذه الاستجابات أيضًا العمليات القضائية وغير القضائية، على غرارِ المُلاحقات الوطنيّة والملاحقات الجنائية الدّولية، الآيلة إلى مُحاسبة الجناة، وكذلكَ المُبادرات الرّامية إلى جبر الضّرر للضحايا، الّذي قد يتّخذ أشكالًا عدّة، منها التعويض الماليّ والمعاشات واسترجاع المُمتلكات أو استرداد الحقوق المدنية والسّياسيّة، والحصول على الرّعاية الصّحية أو التعليم، بالإضافة إلى الاعتراف بالضّحايا وبالاعتداءات الّتي قاسُوها وتخليدِ ذكراهم.

ومن شأنِ هذه الاستجابات، أنُفِّذَت منفردةً أم مجتمعةً، أن تؤازرَ المجتمع في الانتقالِ من النّزاع إلى السّلام المُستدام، ومن الحكم الاستبدادي إلى الدّيمقراطيّة، ومن تكبّدِ إرث انتهاكات حقوق الإنسان الجماعيّة إلى احترام حقوق الإنسان، ومن ثقافة الإفلات من العقاب إلى ثقافة مُعاملة المواطنين مُعاملةٍ كريمة. ويُمكنُ تنفيذ هذه الاستجابات في الدّول الّتي لا تزالُ تعيث فيها الحروب فسادًا، وفي الدّول الخارجة من النّزاع أو القمع، وكذلكَ في الدّول الديمقراطيّة المتقدّمة الّتي تتصدّى لانتهاكات حقوق الإنسان الباقية بلا مُعالجة والمُرتبطة بالتمييز والتهميش المُمَنهَجيْن. لكنَّ تنفيذ العمليّات هذه صعبٌ وقد يستغرق سنواتٍ طوال. ولعلَّ التّحدّي المُشترك بينها يكمنُ في كيفيّة تحديد الخطوات وتنظيم تسلسلها. أمّا التحدّي الآخر فهو الحفاظ على زخمِ الانطلاقةِ وطاقتها وتفاؤلها طوالَ السّعي إلى المضيّ في العمليات الّتي قد يستغرقُ إنجازها وقتًا طويلًا.

ليسَت العدالة الانتقاليّة عنصرًا واحدًا أو عمليّة واحدة، ولا هي صيغة فريدة جامدة تؤول إلى استنساخِ المؤسسات. بل هي أشبهُ بخريطةٍ وشبكةِ طرقٍ تُدنيكَ إلى وجهتكَ: ألا وهي مجتمعٌ أكثر سلامًا وعدلًا وشمولًا للجميع، صفّى حساباته مع ماضيه العنيف وأحقَّ العدالة للضحايا. لكن، ما مِن طريقٍ واحدٍ يُتّبع. فلِكُلِّ مجتمعٍ طُرقٌ شتّى يسلكها، تُحدّدها طبيعة الفظائع المُرتكبة وخصائص المُجتمع نفسه، بما في ذلكَ ثقافته وتاريخه وبُنياه القانونيّة والسّياسية وقدراته بالإضافة إلى انتمائه الإثنيّ ودينه وتكوينه الاجتماعي والاقتصادي. فسُرعةُ مسيرِ المُجتمع على هذا الدّربِ، والمسافة الّتي يقطعها منه، يعتمدان على الجهود الحثيثة والدّؤوبة المبذولة وعلى مدى تعاونِ الأطراف المعنية كلّها، بدءًا من الفاعلينَ الحكوميّين والسّياسيين، مرورًا بالضّحايا ومنظمات المُجتمع المدني، وصولًا إلى المواطنين العاديين.

مبادئ عامة:

الإقرار بالضّحايا:

يجبُ الإقرار بجميع الأفراد مِمّن عانوا انتهاكات القانون الدّولي الإنساني والقانون الدّولي لِحقوق الإنسان في سوريا خلال النّزاع على أنّهم ضحايا وأنّهم مواطنون ذو حقوقٍ لا يُمكنُ حرمانهم إيّاها بسببِ الجنس أو العرق أو اللّون أو اللّغة أو الدّين أو الانتماء السّياسيّ أو الرّأي السّياسيّ أو الملكيّة أو الولادة أو أي اعتبارٍ آخر.

الإقرار بتحمّل المسؤوليّة:

إنَّ الالتزام بإيجادِ حلٍّ سلميّ وسياسيّ لما جرى في السنوات الماضية وإدراك أسبابه وتبعاته يجب أن ينطلقَ من الإقرار بتحمّل المسؤوليّة تجاه الضحايا وانتهاكات القانون الدّولي الإنسانيّ والقانون الدّولي لِحقوق الإنسان. وتنطوي المسؤوليّة هذه على وجوبِ أن تُعزّزَ الدّولة السّوريّة الحقوق والحريّات الأساسيّة وتحميها.

حقّ الضّحايا في إنصافهم وجبر ضررهم: للضحايا الحقّ في الإنصاف والجبر عن الأذيّة الّتي تكبّدوها نتيجةَ الانتهاكات التي تعرضوا لها. فاستردادُ الضّحايا حقوقَهم بعدَ الوصول الى الحل السياسي وتنفيذ القرار ٢٢٥٤ بكل بنوده ومندرجاته هو ركيزةُ بناءِ سلامٍ مُستقرّ ودائم. وفي هذا الصّدد، يجبُ أن تسترشدَ التّسويات والاتفاقات بالمبادئ الأساسيّة والمبادئ التّوجيهيّة بشأن الحقّ في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدّولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدّولي، الّتي أعلنتها الجمعيّة العامّة واعتمدتها في القرار رقم ۱٤۷/٦۰ الصّادر في ۱٦ كانون الأوّل/ ديسمبر من العام ۲۰۰٥.

أداءُ حقوق الضّحايا:

إنّ حقوق الضحايا الّذين يُعرّفونَ عمومًا بأنّهم أشخاصٌ تكبّدُوا وأسرهم ومُعاليهم الأذى إمَّا فرادًى وإمّا جماعةً، مسألةٌ لا تخضعُ لتفاوضٍ أو نقاش. ومن جُملة المهمّات المُلقاة على عاتقنا الآن، مناقشة التّوصلُ عبر الدستور الجديد إلى كيفيّة أداء حقوق الضّحايا في سياقِ عملنا. ويكمنُ واحدٌ من أهدافِ أداء حقوقِ الضّحايا والعدالة لهم في تحقيقِ مُصالحةِ بعد تنفيذ المحاسبة والمساءلة، وذلكَ بغيةَ استعادة الكياسةِ وتحقيق العدالة كشرط اساسي للسلام المستدام. وفي هذا الصّدد، لا بدّ من الأخذ في الاعتبار المبادئ الدّولية، بما فيها تلكَ المنصوص عليها في الإعلان بشأنِ المبادئ الأساسيّة لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السّلطة، الّذي اعتمدته الجمعيّة العامّة بموجب القرار رقم ۳٤/٤۰ الصّادر في ۲۹ تشرين الثّاني/ نوفمبر من العام ۱۹۸٥.

إيضاحُ الحقيقة:

إنَّ إيضاحَ مُجريات النّزاع، وأسبابه الجذريّة وخلفيّاته التّاريخيّة وتبعاته وآثاره، جزءٌ أساسيّ من أداء حقوق الضّحايا وحقوق المُجتمع بشكلٍ عامّ. فإعادةُ بناءِ الثّقة تعتمدُ على عمليّاتٍ شفّافةٍ وموضوعيّة تُكرّسُ لإيضاحِ الحقيقة والإقرار بها كاملةً ولتوعية الأجيال الحاضرة والمُستقبليّة على هذه الحقيقة. ويجبُ أن يشملَ إيضاح الحقيقة معرفة مصائر المفقودين والمخفيين قسرًا وأماكنهم، وتسليم جثامين وتسوية الاحوال المدنية لمن قضوا.

مُشاركة الضّحايا:

إنَّ النّقاش حولَ كيفيّة أداء حقوقِ ضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وخروقات القانون الدّولي الإنساني، بما فيها تلكَ المُرتكبة قبلَ النّزاع وخلاله، يُحتّمُ مُشاركة الضّحايا في مُختلف الأوقات وبشتّى الوسائل، ومن ضمنها، نيابة مجموعات المُجتمع المدني عنهم أو تقديمها المُساعدة لهم.

ضمانات الحماية والأمن:

تُعدُّ حماية حياةِ الضّحيّة وسلامتها الشّخصيّة الخطوة الأولَى نحوَ أداء حقوقها الأُخرى. وبغيةَ ضمانِ الحمايةِ والأمن، يجبُ أن تُطبّقَ المُحاسبة على الأفعال المُرتكبة خلالَ السنوات الماضية، وأن تُدخلَ حيّز التّنفيذ حزمةٌ مُتكاملة من تدابير العدالة الانتقاليّة، بما في ذلكَ التّعويض أو إعادة تأهيل ضحايا الانتهاكات الحالية والجرائم الماضية، بالإضافة إلى الخطوات العمليّة الآيلة إلى التّوصل إلى المُصالحةِ والتّسامح الوَطَنِيَّيْن.

العودة وإعادة الاستقرار بكرامةٍ وأمانٍ:

للأفراد الّذين هجّروا، سواء أكانوا لاجئين أم نازحينَ، الحقُّ في الإقامة والعيش بحريّةٍ على الأراضي السّوريّة في ظروفٍ كريمةٍ وآمنة، كما لهم الحقّ في العودة إلى ديارهم ومساكنهم التي هجروا منها إن اختاروا ذلك. ويحقُّ لهم أيضًا المُطالبة بممتلكاتهم ونيل التعويضات عن أيّ ملكيّةٍ تتعذّرُ عودتهم إليها، بما في ذلكَ الممتلكات المُصادرة.

الحقّ في مُحاكمةٍ وفقَ الأصول القانونيّة:

يتحدث الدستور المعمول به حاليا على أنَّ كُلَّ متّهمٍ بريء حتّى يُدان بحكمٍ قضائيّ مُبرمٍ تُصدره محكمةٌ حياديّة ومستقلّة بعدَ إجراءِ مُحاكمةٍ عادلة. ومن المُسلّم به أنَّ هذه الحقوق لا تُحترمُ احترامًا تامًّا على أرضِ الواقع، وأنَّ إقامةَ سلامٍ مُستقرّ ومُستدامٍ تُحتّمُ تأمينَ مُحاكمةٍ وفقَ الأصول القانونيّة وضمانات مُحاكمةٍ عادلة وحمايةٍ مِن التوقيف التّعسفي، والمُعاملة الوحشيّة والتعذيب والتوقيف غير المشروع، كما تُحتّمُ اتّخاذ خطواتٍ تؤول إلى إنصافِ المُعتقلينَ تعسّفًا وزورًا.

ضمانة عدم التّكرار:

يتطلّبُ السّلام المُستدام تنفيذَ إصلاحاتِ عدم التّكرار وضماناته الّتي تكفلُ ألَّا تُرتكب انتهاكاتٌ أخرى مُجدّدًا، وألّا تقعَ أجيالٌ جديدة موقعَ الضّحيّة أبدًا. ويجبُ أن يقر الدستور والقوانينَ، بحقوق الإنسان وبالحريات الأساسيّة كما يجبُ أن تعملَ المؤسسات وفقَ هذه الحقوق والحريّات، وذلكَ من أجل ضمانِ رفاه السّوريينَ والسوريات ومصالحهم أجمعين.

مُقاربةٌ قائمة على الحقوق:

يجبُ أن تُساهمَ هذه العمليّة وغيرها ذات الصّلة بمسار العملية السياسية في سوريا وتنفيذ القرار ٢٢٥٤ بكل بنوده ومندرجاته في حماية حقوق الجميع ضمانها وصونِ تمتّعهم الفعليّ بها”.

وكانت الاجتماعات قد ناقشت خلال الثلاثة أيام الماضية مبدأ “الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها” المُقدّم من قبل وفد النظام، ومبدأ “الإجراءات القسرية أحادية الجانب من منطلق دستوري” الذي قدّمه ثمانية أعضاء من وفد المجتمع المدني، ومبدأ “سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية” الذي قدّمه وفد هيئة التفاوض السورية.

ويطرح كل طرف يومياً مبدأً من المبادئ الدستورية المُتّفق على عناوينها، وتقوم الأطراف الأخرى باقتراح صياغات توافقية وتوصيات وتعديلات حول كل مبدأ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى