نص المؤتمر الصحفي الختامي للرئيس المشترك هادي البحرة عقب انتهاء أعمال الدورة السادسة
جنيف
22 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
شكراً للحضور
كما تعلمون، هذه هي الدورة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية، بعد مضي أكثر من عامين على تأسيسها، وبعد فترة انقطاع استمرت تسعة أشهر بين الدورتين الخامسة والسادسة، بسبب عدم التوصل إلى منهجية للنقاشات تؤدي إلى الخروج بنتائج يمكن أن يُبنى عليها.
تم التوصل إلى منهجية بتيسير من السيد غير بيدرسن، لكن لاحظنا منذ البداية أن هذه المنهجية قد تؤدي إلى إنهاء خمسين بالمئة من التعطيل في أعمال اللجنة الدستورية، لكن هناك قسم آخر لم يتم وضع منهجية واضحة له ليؤدي إلى حدوث التوافقات.
وفق المنهجية التي اتفقنا عليها لهذه الدورة، كما تفضّل السيد بيدرسن، تقدّمت الوفود كافة بعناوين المواضيع الدستورية التي ستبحثها خلال هذه الدورة، ومن ثم تقدّمت كل يوم بنصوص الصياغات الدستورية لهذه المبادئ الأساسية قبل كل اجتماع.
نفس تلك المنهجية كانت تقول بضرورة بحث مبدأ جديد كل يوم، دون شرط التوقف إلى أن نتوافق على المبدأ السابق، وخلال هذه الأيام الأربعة، تم طرح أربعة مبادئ أساسية في الدستور، وخصصنا اليوم الخامس لبحث المبادئ الأربعة مع الأوراق المقدّمة، حيث على ممثلي الأطراف الثلاثة أن يتقدموا بأوراق تفاهمية أو يحاولوا أن يصلوا إلى توافقات حول ما طرح من أوراق بعد ما استمعوا إليه من مناقشات.
الأوراق التي قُدّمت اليوم هي من قبل ممثلي هيئة التفاوض في اللجنة الدستورية، حيث تقدموا بأربع أوراق كمحاولة اقتراحات للوصول إلى توافق بناء على ما استمعوا إليه في الجلسات السابقة للنقاشات من قبل كل الأطراف والأوراق التي توصلوا إليها، وحتى أنه كانت هناك نصوص أُخذت من بعض من أوراق باقي الأطراف، ضمّنوها في اقتراحاتهم التوافقية، وتم أخذ ورقة هامة تقدّم بها المجتمع المدني، وأعدّ ممثلو هيئة التفاوض اقتراحاً بخصوص هذه الورقة، وهو اقتراح توافقي أيضاً.
بكل أسف، الطرف الممثل لحكومة النظام، لم يُقدّم أي ورقة للتوافق، وأصرّ على أنه لا يرى أي حرف في تلك الأوراق للتوافق بخصوصه، على الرغم من الحقيقة بأننا وضعنا ضمن الأوراق التي أعددناها، بعض المقترحات التي وردت في أوراقهم والتي اعتقدنا أنه من الممكن أن يتم البناء عليها.
لذلك، الواقع الذي نشاهده حتى الآن، هو أنه إن أردنا أن نحصل على نتائج سريعة وإيجابية يجب استكمال المنهجية حيث انقطعت، أي يجب استكمال الخمسين بالمئة الأخرى من المنهجية للوصول إلى نتائج، وللوصول إلى نتائج يجب أن تكون الأطراف الثلاثة تملك الرغبة للوصول إلى تفاهمات وللوصول إلى حل سياسي، بكل أسف ولهذه اللحظة، لا توجد هذه الرغبة على الأقل لدى طرف واحد، حتى أنه لم تكن توجد حتى مساعٍ للوصول إلى توافق.
جميعنا نعلم مدى المأساة التي يعيشها شعبنا داخل سورية، وما يتعرض له النازحون واللاجئون داخل سورية وخارجها، والعنف والغارات الجوية التي تستهدف أهلنا في إدلب، والمدنيون الذين يسقطون بالاعتداءات شبه اليومية بالمدفعية وكافة أنواع الأسلحة، وحجم التدهور الاقتصادي، ونقص المساعدات الإنسانية، ووباء الكورونا وانتشاره في المنطقة ولا سيما في منطقة إدلب، كل هذه الأمور تُلقي بالمسؤولية علينا بأنه يجب أن نسعى بكل ما نملك من قوة، وبكل ما نملك من إمكانيات، لإيجاد حل سريع لمأساة السوريين، فحتى السوريين في مناطق النظام، نعرف مدى المأساة التي يعيشونها، ومدى تدهور القوة الشرائية لهم، وعدم إمكانية تأمين طعامهم اليومي، وهذه المسؤولية تضع علينا الالتزام بالاستمرار بالبحث والتواصل مع الدول ومع كافة الأطراف كي نصل فعلاً إلى تفعيل العملية السياسية.
هذه العملية الدستورية لا يمكن أن تستمر إن بقيت كما هي الآن، إن لم تحظ بتوافق دولي ودعم حقيقي وإرادة لدى كافة الأطراف السورية لتحقيق الحل السياسي الذي ننشده جميعاً، وهو الحل الوحيد الذي يمكن أن يؤمن الاستقرار والأمن المستدامين عبر تطبيق قرار مجلس الأمن 2254.
هناك بعض الأطراف التي تحلم بإمكانية تفادي هذا القرار، وهناك من يتحدث عن إعادة تدوير النظام أو التخفيف من العقوبات، وبرأينا أن عشر سنوات ونصف من المأساة السورية ومن تاريخ نضال الشعب السوري في الثورة السورية، فرض بذاته ديناميكية ذاتية لنوعية الحل الذي يمكن أن يكون قابلاً للاستدامة، وكل الحلول الأخرى التي تُطرح لا يمكن أن تُحقق الأمن والاستقرار المستدامين، وبالتالي لن تُقنع اللاجئين السوريين بالعودة إلى سورية، ولن تُقنع رأس المال الوطني ورجال الأعمال السوريين أن يعودوا ويستثمروا أموالهم داخل سورية، ولن تُقنع الدول أن تستثمر في دولة لا يوجد فيها أمن واستقرار دائمان، وبالتالي فإن أي حلول أخرى غير تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لا يمكن أن تؤدي إلا إلى إطالة أمد مأساة الشعب السوري.
….
أسئلة الصحافة:
رداً على سؤال فيما إن كان وفد هيئة التفاوض في اللجنة الدستورية سيعود إلى جنيف إن لم يحصل تطوير للمنهجية، وإن لم يحصل وقف حقيقي لإطلاق النار
الجواب:
كما قلت، الفارق بين الجولة الخامسة والسادسة كان تسعة أشهر، لأنه لم يكن بالإمكان عقد الجولة السادسة إلا إذا كان هناك منهجية تؤدي أولاً إلى بدء عملية صياغة مسودة أو مشروع الدستور الجديد، وأيضاً أن تؤدي إلى نتائج ملموسة. القسم الأول تم تحقيقه فعلياً، وانتهت اللجنة الدستورية من فترة النقاشات الدستورية المفتوحة، ودخلت إلى مرحلة صياغة الدستور، وبالتالي فقد كانت النقاشات محصورة في البنود والمواد الدستورية التي تم تقديمها، وقل هامش الحركة والمراوغة أمام من يريد أن يُضيّع الوقت أمام اللجنة الدستورية، والآن، لا يمكن تكرار جولة جديدة بنفس الأسلوب، لأنه دون تغيير الأسلوب ستكون لدينا نفس النتائج، ولابد من الاتفاق على الخمسين بالمئة المتبقي من المنهجية لنضمن أن تكون الدورة القادمة مُنتجة وأن تؤدي إلى حدوث نتائج.
بالتأكيد سمعنا عن الجريمة التي ارتُكبت بحق أهلنا في إدلب وتسبب بضحايا من المدنيين والأطفال والنساء، وفي افتتاح اجتماع اللجنة الدستورية ترحّم أعضاء اللجنة الدستورية على أرواح الشهداء الذين سقطوا في إدلب، وعلى أرواح الشهداء المدنيين الذين سقطوا طوال العشر سنوات ونصف في كافة أرجاء سورية، وفي نفس الوقت أشاروا إلى مدى إصرارهم على أن هذا بحد ذاته هو دافع لكي تستمر الجهود لوقف سفك الدماء في سورية، أما بعض الأخوة وأهلنا في إدلب وبقية المناطق السورية، ونتيجة العواطف التي نُشاركهم فيها، يُطالبوا بالانسحاب من اللجنة الدستورية، أو إيقاف أعمال اللجنة الدستورية، ونؤكد أن هذا لن يخدم الثورة، ولن يؤدي إلى إيقاف القتل ولا إلى إيقاف سفك الدماء، الفرصة الوحيدة، والمنصة الدولية الوحيدة، التي تمثل الثورة وتوصل صوت أهل سورية الذين ثاروا لعشر سنوات ونصف هي في جنيف، فمنصة جنيف هي منصة دولية يجب المحافظة عليها، لكن يجب تقويتها بأكبر قدر ممكن من الإمكانيات، أما من يقول إن مشكلتنا ليست في الدستور، نعم، المشكلة الأولى هي وقف القتل ووقف التدمير والبدء بعملية سياسية جدية، التي بدأ منها قسم حالياً في الدستور، والدستور هو أحد أسباب ما وصلنا إليه، لأنه شرعن النظام الديكتاتوري، وشرعن سيطرة السلطة التنفيذية وهيمنتها على باقي السلطات في سورية، وهو الذي جعل رئيس الجمهورية القائد العام للجيش والقوات المسحلة، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، وهو من يعين القضاة في المحكمة الدستورية العليا، وبالتالي لم يعد هناك فصل بين السلطات، واستطاعت السلطة التنفيذية أن تُهيمن على باقي السلطات في سورية، فجزء رئيس من مشكلتنا هو الدستور الذي شرعن النظام الديكتاتوري، والجزء الثاني هو تطبيق الدستور على أرض الواقع، فأي دستور يمكن أن يكتب بأروع لغة، لكن إن لم يكن هناك الآليات التي تضمن تطبيقه على أرض الواقع تصبح فقيمته صفراً، لذلك ليست مهمة اللجنة الدستورية فقط صياغة دستور جديد لسوريا، وإنما صياغة دستور جديد والنظر في الممارسات الدستورية وإصلاحها، أي تطبيق الدستور على أرض الواقع، ومهمة اللجنة إصلاح هذه الآليات بما يضمن تطبيق الدستور الجديد.
التقينا مع العديد من الوفود الأجنبية المهتمة بالملف السوري سواء من الدول الإقليمية أو الدولية، كالولايات المتحدة وروسيا وتركيا وبعض الدول العربية كقطر ومصر والسعودية وأطراف أخرى، يوجد اهتمام الآن أكبر بالعملية السياسية وبأعمال اللجنة الدستورية، لكن يتطلب حشد إرادة دولية أكبر من ذلك للتنفيذ الفعلي لهذه المواضيع.
ورداً على سؤال على ماذا تُعول اللجنة الدستورية إن لم يكن هناك تجاوب من وفد الحكومة السورية
الجواب:
أولاً، يوجد ضغط دولي، وهذا الضغط الدولي هو الذي جلب وفد النظام إلى جنيف، وإن كان الأمر وفق رغبتهم، فهم لا يرغبون بالحل السياسي ولا أن يكون هناك عملية سياسية، لكن كان هناك ضغط كاف لقدومهم إلى جنيف، وعلينا العمل لزيادة مستوى الضغط لتسير وتنطلق العملية السياسية كما يجب، وهناك عدة عوامل تُساعد على ذلك، منها الوضع الاقتصادي في سوريا، وعدم وجود حالة استقرار دائمة في سوريا. صحيح أنه قد لا يهم النظام أن يوجد استقرار وأمن، لكن يوجد دول أجنبية لديها قوات في سوريا، وهذه الدول لا ترغب أن تغرق في مستنقع وتجد نفسها في بلد لا يوجد فيه استقرار وأمن مستدام، وبالتالي هذه الدول نفسها تسعى إلى وجود حل إعادة الاستقرار إلى سورية. العنصر الآخر وجود الدول المتعددة في بقعة جغرافية ضيقة، ونحن نتحدث عن أكبر دول عالمية، الولايات المتحدة وروسيا وأكبر الدول الإقليمية كتركيا وإيران، والأعمال العسكرية التي تقوم بها إسرائيل، وكل هذه الدول تسعى لأن لا تشتبك مع بعضها البعض، وتخشى أن يؤدي هذا الوجود المكثف إلى تصادم فيما بينها، وبعضها يريد أن ينسحب من سورية بأسرع وقت، وبعضها يريد الاستمرار، لكنهم لن يستطيعوا إن بقيت الأمور كما هي عليه.
ورداً على سؤال حول ادعاء وفد النظام أن فريق المعارضة يشرعن الاحتلال الأجنبي
الجواب:
كل هذا عار عن الصحة بالمطلق، وكل السوريين الموجودين في القاعة هم ضد الاحتلال الأجنبي من أي نوع كان، لكن هناك قوى موجودة في سورية. ونتيجة عدم قبول النظام الانخراط في أي حل سياسي يؤدي إلى انسحاب كل هذه القوى الأجنبية، وهناك اتفاقيات وقعها النظام تتيح لقوى أجنبية وتعطيها الحق للدخول إلى سورية، فروسيا عملت اتفاقاً مع النظام، وتركيا لها اتفاقية أضنة الأصلية والإضافية، التي أعطتها حق التدخل إلى أي عمق ترى فيه تهديداً لها، وبالتالي لا يمكن النظر لدول كتركيا تستضيف حوالي خمسة ملايين ونصف لاجئ سوري، 3.5 مليون لاجئ مسجّل، فضلاً عن رجال أعمال وطبقة أخرى لا تحمل صفة اللاجئ، تعيش في تركيا، والحدود الطويلة بين تركيا وسورية ومدى تأثير الأمن في سورية على تركيا أوجد هذه الحالة، والحل كي تخرج كل هذه القوات خارج سورية هو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، ونحن نُطالب ونسعى ونعمل لتنفيذه، بينما يسعى النظام إلى تعطيله، نحن ضد كل أنواع الاحتلالات، سواء بالأوراق التي قُدّمت، أو بمواقفنا المُعلنة، وما يدعيه النظام هو عار عن الصحة بالكامل.
ورداً على سؤال حول تسمية الدولة
الجواب:
إن لم نتعلم من تاريخنا والمأساة التي عشناها طوال عشر سنوات ونصف بالتأكيد نكون قد أضعنا كل هذه التضحيات التي مررنا بها، وذهبت دماء الشهداء سدى، دماء أكثر من مليون شهيد، وأكثر من 200 ألف معتقل في السجون. الدرس الأول ليس علينا إملاء شروط على بعضنا، لا العربي يُملي على الكردي ولا الكردي على العربي والآشوري، من واجبنا أن نستمع لبعضنا البعض، وأن أضع نفسي مكانك وأرى مخاوفك ورأيك وأحاول التفهم لماذا تُطالب بهذا الشيء، والعكس، وإن بدأنا نسمع بعضنا بتجرد ودون تعصب لن يكون هناك مشكلة.
ثم ما أهمية اسم الجمهورية بوجود نظام ديكتاتوري مستبد يرتكب الجرائم ضد كل السوريين، هذا كله ليس لها قيمة، وليس عيباً أن نرى تاريخنا الدستوري منذ عام 1920 وحتى الوقت الراهن، وأن نستمع إلى النقاشات الدستورية بين السورييين، كل مرة كانوا يناقشوا معاً اسم الدولة ولغة الدولة، وطريقة التعامل مع اللغات الأخرى، وأعتقد أن هناك إرثاً كافياً لا سيما للطليعة المنفتحة المتقدمة لينصتوا إلى بعضهم البعض لنخرج بحلول لكل هذه القضايا.