واقع “الدستورية”… بين عقلانية رفضها وضرورة مراجعة نتاجها

يتصاعد الهجوم على اللجنة الدستورية، مع كلّ جلسة، ويعود ليخبو بعدها ضمن حالة الانسداد في الأفق السياسي، ولعلّ الحديث هذه المرة كان أوسع والهجوم أكبر، وربما يعود ذلك للخيبة المعلنة، على لسان المبعوث الأممي السيد بيدرسون، في ختام الجولة السادسة التي انعقدت الشهر الحالي تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

وللحديث عن اللجنة الدستورية ودورها وأهميتها، بين رفض وقبول ومراوحة في المكان؛ من الضروري أن تتم الإضاءة على مكانة اللجنة، وعلى ما تملك من صلاحيات، وعلى موقعها في الفاعلية بين المؤسسات الرسمية الممثلة لقوى الثورة والمعارضة، وعلى طبيعة وظيفتها بالنسبة إلى قضية الحلّ السياسي الذي يتوافق تحت عنوانه جميع القوى الخارجية، من دول ومنظمات دولية وقوى وطنية سياسية واجتماعية.

أولًا: لا بدّ من إعطائها مكانها وحجمها الطبيعي في أدوات الحل السياسي وموقعها في اتخاذ القرارات السياسية التي يمكن أن تتخذها الأجسام الرسمية الممثلة لقوى الثورة والمعارضة.

1- هي لجنة فنية تتبع لهيئة التفاوض، مهمتها ووظيفتها العمل على صياغة مسوّدة دستور أو إعلان دستوري أو دستور مؤقت أو وثيقة دستورية، بالتشارك مع الأطراف الأخرى.

2- هي غير مخولة بالتوقيع على أي حلول سياسية أو تسويات، وهي ليست مخوّلة بنقاش أي سلة من سلال الحل السياسي التي تندرج تحت آليات تطبيق القرارات الأممية.

3- هي ليست بديلة عن هيئة التفاوض، ولا تؤدي دورها، وإنما تمارس التفاوض من خلال صياغة مسودات المضامين الدستورية.

4- لا يمكن للجنة أن تقرّ أو تنتج شيئًا ملزمًا سوى ما يتعلق بمسودة دستورية (غير ملزمة) أيًا كان نوعها، ولا تقرّ إلا باستفتاء شعبي وفي ظل (بيئة آمنة ومحايدة).

5- لا تعدّ اللجنة بديلًا عن الحل السياسي، ولا عن تنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة (2254، 2118).

6- لا تخالف اللجنة بيان جنيف ولا تناقض مضمونه.

ثانيًا: بغض النظر عن عدم إحراز نتيجة تُذكر من تأسيسها وانطلاق جولاتها حتى الجولة السادسة الأخيرة، لا بد من إيضاح بعض النقاط المفيدة للقضية السورية بشكل عام، من الجانب السياسي، وهي:

1- إبقاء المسار السياسي حيًا في ظلّ انسداد أفق وطني وعجز أو تخاذل دولي. 

2- تسليط الضوء على القضية السورية ومعاناة الشعب السوري، من خلال المنظومة الدولية في جنيف.

3- منع إلغاء مسار جنيف للحل السياسي الذي يستند إلى القرارات الأممية ذات السقف المقبول وطنيًا.

4- تحجيم التدخل الإقليمي الذي قد ينتهي بتسويات لا تخدم الشعب السوري.

5- إثبات المثبت من مراوغة السلطة الحاكمة المغتصبة للدولة في سورية، وعدم اكتراثها بالشعب أو الوطن.

6- تأكيد ارتهان الوفد الممثل لسلطة النظام وعدم امتلاكه الإرادة الحرة، والجمود عند الطروحات الجدية.

7- فشل الدعوات لتغيير سلوك النظام أو سياسة الخطوة بخطوة التي ظهرت أخيرًا مع محاولات بعض الأنظمة لتسويق تطبيع ما.

8- استغلال هذه الجولات كمنصة إعلامية لإبقاء المأساة السورية في دائرة الضوء والاهتمام.

9- تفاعل شعبي وحراك سياسي وطني ودولي، يمكن الاستفادة من زخمه لإعادة تفعيل أدوات أخرى لإنجاز حلّ سياسي ومرحلة انتقالية.

ثالثًا: في نقض احتكار سلطة الأمر الواقع في دمشق الشرعية، داخليًا وخارجيًا.

1- يعدّ تشكيل اللجنة الدستورية أوّل اتفاق سياسي موقع وموثق رسميًا، لدى الأمين العام للأمم المتحدة، بين قوى الثورة والمعارضة ممثلة بهيئة التفاوض، وحكومة النظام (حكومة الجمهورية العربية السورية)، ووقّعها وزير الخارجية آنذاك، في حين يكذب النظام، ويتهرب دائمًا من الاعتراف بوجود قوى معارضة، وقد وقّع مرغمًا.

2- قرار تشكيل اللجنة الدستورية التي أعلنها الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، الذي ينص على أنها تتألف من ثلاثة أقسام: ثلث للأعضاء الذين تسميهم هيئة التفاوض، وثلث للذين تسميهم حكومة (النظام)، وثلث للمجتمع المدني.

يعني مساواة قوى الثورة والمعارضة للنظام الذي ما زال يحتكر الشرعية الدولية، من خلال استمراره في شغل مقعد الجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة ولجانها ومكاتبها، ومنازعته هذه الشرعية، سياسيًا وقانونيًا.

3- نقض شرعيته داخليًا، ووفقًا للدستور (دستور 2012) الذي فصّله النظام على مقاسه، من خلال الموافقة على المشاركة في لجنة لصياغة دستور خارج سلطته وخارج مؤسساته “الدستورية “.

ختامًا، ورغم عدم إحرازها أي نتائج، تبقى نقطة في ميدان سياسي، ليس من الحكمة الابتعاد عنه، ولا يجوز أيضًا تجاهل الكثير مما يمكننا فعله غير الاتكاء عليها، ابتداءً من مؤسسات وهيئات قوى الثورة والمعارضة المعترف بها دوليًا، التي يجب عليها المبادرة والقيام بجهود حثيثة لتفعيل تطبيق القرارات الأممية، بالتواصل مع الدول الفاعلة والصديقة. وأيضًا على القوى السياسية والتنظيمات والأحزاب وقوى المجتمع المدني تنسيق الجهود وصناعة موقف ورأي عام ضاغط، يضع سقفًا لا يمكن لأي جهة النزول تحته، فالقضية السورية ليست فقط قضية سياسية، بل هي قضية حقوق الإنسان وقضية معاناة المعتقلين والمهجرين والمرتهنين تحت سلطات الأمر الواقع، سواء في دمشق أو في المناطق الأخرى.

الكاتب: بشار علي الحاج علي

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة

(المقال يُعبّر عن رأي الكاتب ولا يُعبّر بالضرورة عن رأي أو موقف وفد هيئة التفاوض السورية في اللجنة الدستورية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى