تجربة رواندا الدستورية

عانت رواندا، التي تقع شرق وسط القارة الإفريقية، من الاستعمار الألماني أواخر القرن التاسع عشر
وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى أصبحت مستعمرة بلجيكية عام ۱۹۱۹
عمل الاستعمار على ترسيخ سطوة التوتسي على الهوتو، وساهم في ترسيخ الكراهية بين الطرفين
فقام الهوتو (الأغلبية) بثورة عام ۱۹٥۹ للتخلص من ظلم التوتسي (الأقلية)

بعد الاستقلال عام ۱۹٦۲ تمكن الهوتو من السيطرة على الحكم وعززوا النزعة الانتقامية
فنشبت حرب بين الهوتو والتوتسي استمرت أربع سنوات ۱۹۹۰ – ۱۹۹۳
لم تتوقف إلا بعد تدخّل الأمم المتحدة وتوقيع اتفاق “أروشا” عام ۱۹۹۳

كان الاتفاق هشًّا ونُسِفَ في العام التالي بعد مقتل الرئيس هابيار يمانا بإسقاط طائرته بصاروخ أرض جو
تسبب غياب ثقافة التعايش مع الآخر بواحدة من أبشع الحروب الأهلية في التاريخ المعاصر لأفريقيا
فخلال مئة يوم أباد المتطرفون من الهوتو نحو مليون من التوتسي
وتعرضت الدولة لتدمير شبه كامل في منشآتها ومرافقها
ودخلت البلاد في حالة فوضى وانتشر السلاح وامتلأت السجون

عام ۲۰۰۰ تقدّم رئيس الحكومة باستقالته واستلم نائبه بول كاغامي رئاسة البلاد
ليكون مهندس خطوات النهضة الرواندية في ترميم وإصلاح ما خلفته الحرب الأهلية
وبدأ فترة رئاسته بقول: “لم نأت لأجل الانتقام، فلدينا وطن نبنيه”
وباشر عملية شاملة لإعادة الإعمار سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا
كانت الإصلاحات الدستورية والقانونية ضرورية وأساسية لتحقيق المصالحة الوطنية
وقد وفّرت أساسًا مؤسسيًا وقانونيًا ملائمًا للمبادرات الوطنية والمحلية
تشكلت جمعية وطنية انتقالية تضم ۷٤ عضوًا عينتهم القوى السياسية
مهمتها وضع دستور جديد لرواندا
وأُجري استفتاء عام لإقرار مشروع الدستور في ۲٦ أيار/ مايو ۲۰۰۳
ودخل حيز النفاذ في الشهر التالي

نَظَمَ الدستور الجديد الحقوق والواجبات وحدّد المؤسسات الرسمية في الدولة ووظائف كل منها
ونص على أن تكون السلطات الثلاث منفصلة عن بعضها وتتمتع بالاستقلالية ولكنها متكاملة
وأن تكون السلطة التشريعية من برلمان مستقل بمجلسين
وجرّم أي خطاب عرقي أو تمييزي
ونص على أن “جميع الروانديين لهم حقوق متساوية”
ورسّخ مبدأ من يحكم رواندا هو “الشعب بواسطة الشعب ولصالح الشعب”
ودعم تمكين المرأة في جميع المجالات
وجنى من خلاله الروانديون ثمار الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي

بعد وضع الدستور الجديد وإنفاذه، نفضت رواندا غبارها ونهضت من تحت ركامها
تراجع معدل الفقر من ٦۰% إلى ۳۹%، ونسبة الأمية من ٥۰% إلى ۲٥%
وبات اقتصاد البلاد الأسرع نموًا في إفريقيا
وأصبحت واحدة من أهم وجهات المستثمرين في العالم

وأصبحت الوجهة السياحية الأولى وسط إفريقيا
وصارت العاصمة كيغالي أكثر المدن آمنًا على مستوى القارة

لقد استطاعت رواندا بالتخطيط والعمل ونبذ الانقسام تخطي الآثار الكارثية لمأساتها
وأعطت العالم مثالًا واقعيًا عن إمكانية النهوض بعد السقوط
وعن كيفية النهوض

يمكن مشاهدة الفيديو على الرابط التالي:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى