تجربة البوسنة والهرسك الدستورية
أعلنت البوسنة والهرسك استقلالها عن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية في آذار/ مارس 1992
ثم قامت بعدها حرب بين البوسنة والهرسك من جهة وكرواتيا من جهة ثانية لمدة ثلاث سنوات ونصف
حيث سعت كرواتيا إلى ضم الأجزاء ذات الأغلبية الكرواتية في البوسنة والهرسك
وشهدت هذه الحرب عمليات قتل وتعذيب و”تطهير عرقي” وانتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية
راح ضحيتها أكثر من مئة ألف شخص، وخلّفت نحو 31 ألف مفقود
جرى التوصل إلى وقف إطلاق النار في 23 شباط/ فبراير 1994، ووُقِّع على اتفاق إنهاء الأعمال العدائية، وتم إنشاء المجلس الوطني الكرواتي في سراييفو مع خطة للمصالحة والتعاون البوسني الكرواتي
أدانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة 17 مسؤولًا تابعين للجمهورية الكرواتية، وحُكم على نائب رئيس الجمهورية الكرواتية، وعلى رئيس الوزراء، وعلى قادة سابقين في هيئة الأركان لمجلس الدفاع الكرواتي، والرئيس السابق للشرطة العسكرية الكرواتية، ورئيس السجون ومراكز الاحتجاز وغيرهم، بالسجن من عشر إلى 25 سنة بتهم لها علاقة بجرائم حرب
في 14 كانون الأول/ ديسمبر عام 1995، تم وضع اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك “اتفاقية دايتون” بإشراف المجتمع الدولي، ووقّع عليها رئيس البوسنة والهرسك (علي عزت بيغوفيتش)، ورئيس كرواتيا (فرانجو توزمان)، ورئيس صربيا (سلوبودان ميلوسيفيتش)، وكذلك رئيس وزراء أسبانيا (فيليبي غونزاليز) كممثل عن الاتحاد الأوروبي، ورئيس الولايات المتحدة (بيل كلينتون)، ومستشار ألمانيا (هيلموت كول)، ورئيس وزراء المملكة المتحدة (جون ميجور)، ورئيس فرنسا (جاك شيراك) ورئيس وزراء روسيا (فيكتور تشيرنوميردين).
تم اقتراح “ترتيب تعديلات” للدستور البوسني، وافقت عليه الأحزاب السياسية الرئيسية
بعد وضعه بصيغة ملحق (الملحق الرابع)، تم اعتماده في الجمعية البرلمانية للبوسنة والهرسك في نيسان/ أبريل عام 2006
وأصبح أعلى وثيقة قانونية في البلاد
وجاء بصيغة دستور تعاقدي دولي، لأنه جزء لا يتجزأ من اتفاقية “دايتون”
ضَمِنَ التزام البوسنة والهرسك بحقوق الإنسان والحرية والمساواة والتسامح ومؤسسات الحكم الديمقراطية
ونص على حماية حق الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية والمهينة، والحق في الحرية والأمن الشخصي، وكذلك حَظَرَ التمييز لأي سبب من الأسباب
وكجزء من الإصلاح القانوني الشامل في البوسنة والهرسك، قام البوسنيون بعملية مؤسساتية تشريعية ودستورية وقانونية، وتم إنشاء “معهد الأشخاص المفقودين”، وسجلات مركزية لهم، واعتمدوا قانونًا بشأن الأشخاص المفقودين يسمح بمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، ويمنح أولوية التعليم والرعاية الصحية والتوظيف لأولاد المفقودين
كانت اتفاقية “دايتون” المحاولة الخامسة والثلاثين لوقف إطلاق النار بين البلدين
ولا يزال هناك حاليًا وجود عسكري دولي لمراقبة تطبيقها
هدفت إلى تبنّي البوسنة والهرسك نهجًا توافقيًا لتقاسم السلطة
حيث تعمل البوسنة والهرسك بدور رئيس من ثلاثة أعضاء، فهناك رئيس كرواتي ورئيس بوشناقي ورئيس صربي. تنطبق حصص وقواعد مماثلة على الهيئتين التشريعيتين
تعرضت اتفاقية دايتون للنقد، باعتبارها رؤية دولية بقيادة الولايات المتحدة ولم تُناقش الأسباب الجذرية الكامنة وراء الصراع، كما لعبت الجهات الفاعلة الدولية أيضًا دورًا واسعًا في تشكيل أجندة ما بعد الحرب في البوسنة والهرسك
لكن مواطني البوسنة والهرسك يؤيدون اتفاقية دايتون، كما يؤيدون الدستور الجديد، ويأملون أن يكون الحارس الضامن للقضاء على التوترات عميقة الجذور التي أنتجت حربهم الطاحنة
يمكن مشاهدة الفيديو على الرابط التالي: